القائمة الرئيسية

الصفحات


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بتحسين الصوت والتغني عند قراءة القرآن - كما فصلنا في (مقال المقامات) - لكن بعض الناس قد دفعتهم هذه الوصايا إلى المبالغة في التنغيم والتساهل في الأخطاء، لا أقصد الأخطاء التجويدية فهي واضحة لكل دارس، لكن أقصد أخطاء الأداء والتي منها ما كان في باب (النَّبْر).

قال ابن فارس في مجمل اللغة (1/ 852): "النبر في الكلام: الهَمز".

وقال ابن وهب في (تفسيره 77) حدثني نافع بن أبي نعيم - صدوق - قال: سمعت عبد الله بن يزيد بن هرمز يُسأل عن النبر في القراءة؟ فقال: "إن كانت العرب تَنبر؛ فإن القرآن أحق أن يُنبر ".

وهناك من العلماء من كرهه، قال مالك: "ولا يعجبني النَّبْرُ والهَمْزُ في القراءة".

قال أبو بكر الطرطوشي المالكي في الحوادث والبدع (1/ 90):"ومعنى هذا أن يمطط الحروف، ويُفرط في المد، ويُشبع الحركات حتى تصير حروفا؛ فإنه متى أشبع حركة الفتح؛ صارت ألفا، وإن أشبع حركة الضم صارت واوا، وإن أشبع حركة الكسر؛ صارت ياء!

وأعظم من هذا أن الحرف الذي فيه واو واحدة تصير واوات كثيرة، ويكون في الحرف ألف واحد فيجعلونه ألفات كثيرة، وكذلك كل حرف من الآية يزيد فيه من الحروف بحسب ما تحتاج إليه نغمته ولحنه، فيزيل الحرف عن معناه، فتلحق الزيادة والنقصان على حسب النغمات والألحان، فلا تخلو من زيادة أو نقصان، وهذا أمر ليس في كلام العرب، ولا تعرفه الفصحاء والشعراء إذا ثبت هذا."

قال محمد بن رشد في البيان والتحصيل (1/ 358): "يريد بالنبر إظهار الهمزة في كل موضع على الأصل، فكَرِه ذلك في الصلاة، واستحب فيها التسهيل على رواية ورش ..."

مثال ذلك: كلمة (الأرض) يقرأها ورش بدون همزة فتبدو هكذا (لَرْض)

ثم قال ابن رشد: "ويحتمل أن يريد بالنبر في القرآن في الصلاة الترجيع الذي يحدث في الصوت معه نبر في غير موضع النبر ويحتمل أن يريد التحقيق الكثير في الهمزات إلى ما سوى ذلك مما يأخذ بعض المقرئين القراءة عليهم من الترقيق والتغليظ والروم والشم وإخفاء الحركة وإخراج جميع الحروف من حقيقة مخارجها، ولا يتأتى ذلك إلا بالعناء وتقطيع بعض الحروف؛ لأن الاشتغال بذلك في الصلاة يشغل عن تدبره وتفهم حِكَمه والاعتبار بعِبَره."

قلت: ومن النبر أن يجعل تركيز نطقه على حرف مغاير، وقد يُغير المعنى مثل قوله تعالى: "فَسَقَى لَهُمَا" فإن التركيز (النبر) هنا على حرف السين، ومن النبر الخاطئ أن يجعل التركيز على الفاء فتُقرأ: "فَسَقَا" من الفِسق.

وهذا يكرهه مالك ويكرهه كل عاقل من العرب وينبغي عدم التساهل في مثله عند تلاوة القرآن سواء في الصلاة أو خارجها.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويجعلنا من أهل القرآن.

والله أعلم.






تعليقات