حُكم قراءة القرآن بالألحان الوضعية والمقامات الصوتية
فضل قراءة القرآن
فإن من أعظم القربات إلى الله وأنفع العبادات في الآخرة قراءة القرآن، فقد روى الترمذي (2910) بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها".
وروى مسلم 804 عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ" وغير ذلك من الأحاديث ذكرناها في مقال (فضل قراءة القرآن).
تحسين الصوت بالقرآن
وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير حديث بتحسين الصوت وتجميله عند قراءة القرآن فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "زيِّنوا القرآنَ بأصواتِكم، فإنَّ الصوتَ الحسنَ يزيدُ القرآنَ حُسنًا"
وروى البخاري 7257 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ"، وزادَ غَيْرُهُ: يَجْهَرُ به.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أذِنَ اللهُ لشيءٍ ما أذِنَ لنبيٍّ حسنِ الصوتِ يتغنَّى بالقرآنِ يجهرُ به" [أذن: استمع مثل قوله تعالى: "وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ" أي: استمعت]
وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي موسى الأشعري- رضي الله عنه -: "لقد أُوتِيتَ مِزْمارًا من مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ" لأنه كان حسن الصوت.
وروى البوصيري في الإتحاف (6 /342) بسند رجاله ثقات وصححه ابن حجر عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ أبا موسى كان يَقرَأُ ذاتَ ليلةٍ ونِساءُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستَمِعنَ، فقيل له، قال : "لو علِمتُ لحبَّرتُ تحبيرًا ولشوَّقتُ تشويقًا"
وكان أُسَيد بن حُضَير - رضي الله عنه - يقرأ ورأى ظلة في السماء فسأل النبي- صلى الله عليه وسلم - عنها فقال: "تِلكَ المَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ ما تَسْتَتِرُ منهمْ" رواه مسلم 796
وقال ابن قدامة في المغني (10/ 162): "وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّحْزِينِ وَالتَّرْتِيلِ وَالتَّحْسِينِ".
وقال النووي في "التبيان" (109): "أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرآن وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة"
ولتحسين الصوت عند قراءة القرآن فوائد كثيرة وفضائل عظيمة
قال الإمام ابن باز: "تحسين الصوت بالقرآن من أسباب الخشوع والتَّدبر، ومن أسباب الرغبة في سماع القرآن، ومن أسباب حُسن الفهم عن الله"
معنى التغني
القول الأول: التغني بمعنى الاستغناء
وهكذا رواه البخاري عن سفيان مفسرا، فقال: " قال سفيان: يستغني به"، وهكذا فسره أبو عبيد، فقال: "هو من الاستغناء". وبه قال وكيع.
وقد جاء في اللغة: يتغنى؛ بمعنى: يستغني؛ قال الناظم: وكنت امرأ زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التغني
وروى الكسائي عن امرأة من العرب وقد سئلت عن أعنز عجاف في بيتها، فقالت: "نتغنى بها".
ورُوِيَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطِي الوسطى، ويد المعطَى السفلى، فتغنوا ولو بجرم الحشف. اللهم هل بلغت". [جرم الحشف: التمر الرديء]
قلت: وهذا يدعم قول سفيان إلا أن المعنى لا يستقيم فكيف نقول: إن الله يأذن (يستمع) لعبد حسن الصوت يستغني بالقرآن؟
القول الثاني: أن المراد به الجهر، حكى أبو سليمان الخطابي: يتغنى؛ إذا أعلى صوته، وزعم أن رجلا منهم قال لآخر: غن يا ابن أخي! يقول: سل حاجتك، وارفع صوتك. وبمثله قال الشافعي.
وهذا يدعمه ما جاء ءانفا في الأحاديث "يجهر به" لكنه إجمالا ضعيف.
القول الثالث: تحسين الصوت.
قال الحليمي في "المنهاج" (2/ 230): "سئل الليث بن سعد رضي الله عن معنى "يتغنى به" قال: "يتحزن به".
والذي يظهر بدلالة الأخبار أنه أراد بالتغني أن يحسن القارئ صوته به مكان ما يحسن المغني صوته بغنائه. إلا أنه يميل به نحو التحزن دون التطرب، أي قد عوض الله تعالى من غناء الجاهلية خيرًا منه، وهو القرآن، فمن يحسن صوته بالقرآن ولم يرض به بدلاً من ذلك الغناء، فليس منا"
قلت: لكن بعض الناس قد دفعتهم هذه النصوص إلى الوصول إلى حد بالغ من التغني والتلاعب بالنغمات والعُرَب والألحان فخرج آخرون يحرِّمون هذه الأفعال وينهون عن القراءة بالألحان والمقامات وهناك فريق ثالث يرى أن هذه المسألة لها ضوابط بين الحِلِّ والحُرمة ولكل فريق أدلته:
القراءة بالألحان والمقامات:
الفريق الأول: عملوا بالنصوص على إطلاقها ورأوا أن التغني مهما كان فهو مباح لعموم النصوص، ولا مانع من تكلُّف ذلك وتعمده كما تقدم في قول أبي موسى، وممن قال بالجواز أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين عنه وجماعة من السلف.
الفريق الثاني: رأوا المنع من ذلك وأن القراءة بالألحان الموزونة والمقامات المدروسة حرام، وممن كره القراءة بالألحان مالك والشافعي في أحد القولين عنه وأحمد وابن تيمية وغيرهم.
وأما حديث أبي موسى: "لحبرت تحبيرا" فقد قال عنه الثعلبي في تفسيره (22/ 18): "وليس المقصود بالتلحين التمطيط وزيادة الحد في الغنة والمدود، وإنما المقصود الترتيل وإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة، ومعرفة أحكام الوقوف".
ورأوا أن الصوت إن كان حسنا بطبعه بلا تكلف ولا تمرين فلا حرج أما إن كان التحسين متعمدا فهذا لا يجوز.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 474) : " وَفَصْلُ النِّزَاعِ، أَنْ يُقَالَ: التَّطْرِيبُ وَالتَّغَنِّي عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا اقْتَضَتْهُ الطَّبِيعَةُ وَسَمَحَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَمْرِينٍ وَلَا تَعْلِيمٍ، بَلْ إِذَا خُلِّيَ وَطَبْعَهُ، وَاسْتَرْسَلَتْ طَبِيعَتُهُ جَاءَتْ بِذَلِكَ التَّطْرِيبِ وَالتَّلْحِينِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَعَانَ طَبِيعَتَهُ بِفَضْلِ تَزْيِينٍ وَتَحْسِينٍ كَمَا قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا" وَالْحَزِينُ وَمَنْ هَاجَهُ الطَّرَبُ وَالْحُبُّ وَالشَّوْقُ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ دَفْعَ التَّحْزِينِ وَالتَّطْرِيبِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَكِنَّ النُّفُوسَ تَقْبَلُهُ وَتَسْتَحْلِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ الطَّبْعَ، وَعَدَمِ التَّكَلُّفِ وَالتَّصَنُّعِ فِيهِ فَهُوَ مَطْبُوعٌ لَا مُتَطَبَّعٌ، وَكَلَفٌ لَا مُتَكَلَّفٌ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَهُ وَيَسْتَمِعُونَهُ، وَهُوَ التَّغَنِّي الْمَمْدُوحُ الْمَحْمُودُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَأَثَّرُ بِهِ التَّالِي وَالسَّامِعُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُحْمَلُ أَدِلَّةُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ كُلُّهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ صِنَاعَةً مِنَ الصَّنَائِعِ، وَلَيْسَ فِي الطَّبْعِ السَّمَاحَةُ بِهِ، بَلْ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَكَلُّفٍ وَتَصَنُّعٍ وَتَمَرُّنٍ، كَمَا يُتَعَلَّمُ أَصْوَاتُ الْغِنَاءِ بِأَنْوَاعِ الْأَلْحَانِ الْبَسِيطَةِ، وَالْمُرَكَّبَةِ عَلَى إِيقَاعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَأَوْزَانٍ مُخْتَرَعَةٍ، لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّكَلُّفِ، فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي كَرِهَهَا السَّلَفُ وَعَابُوهَا وَذَمُّوهَا وَمَنَعُوا الْقِرَاءَةَ بِهَا وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَرَأَ بِهَا، وَأَدِلَّةُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا تَتَنَاوَلُ هَذَا الْوَجْهَ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ، وَيَتَبَيَّنُ الصَّوَابُ مَنْ غَيْرِهِ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ السَّلَفِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِأَلْحَانِ الْمُوسِيقَى الْمُتَكَلَّفَةِ، الَّتِي هِيَ إِيقَاعَاتٌ وَحَرَكَاتٌ مَوْزُونَةٌ مَعْدُودَةٌ مَحْدُودَةٌ، وَأَنَّهُمْ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقْرَءُوا بِهَا وَيُسَوِّغُوهَا وَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِالتَّحْزِينِ وَالتَّطْرِيبِ وَيُحَسِّنُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَيَقْرَءُونَهُ بِشَجًى تَارَةً، وَبِطَرَبٍ تَارَةً، وَبِشَوْقٍ تَارَةً، وَهَذَا أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الطِّبَاعِ تَقَاضِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ الشَّارِعُ مَعَ شِدَّةِ تَقَاضِي الطِّبَاعِ لَهُ، بَلْ أَرْشَدَ إِلَيْهِ وَنَدَبَ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ عَنِ اسْتِمَاعِ اللَّهِ لِمَنْ قَرَأَ بِهِ، وَقَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ الَّذِي كُلُّنَا نَفْعَلُهُ وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَفْيٌ لِهَدْيِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَنْ هَدْيِهِ وَطَرِيقَتِهِ - "
وقال ابن تيمية في الحموية: "ونعتقد أن القراءة الملحنة بدعة وضلالة" قال الراجحي في الشرح (9/ 6): "يعني: من يلحنها ويطرب بها كتلحين الغناء والأذان، فإن تلحين الأذان مكروه وبدعة، والقراءة الملحنة كتمطيط القراءة وتلحينها بما يشبه ألحان الغناء من لحون الأعاجم بدعة أيضاً، فقد ثبت في البخاري أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لمؤذن: أذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا، أي: لا تطرب ولا تلحن، فتلحين الأذان والقراءة مكروه ومثله التطريب".
قال عبد اللَّه في "مسائله" (1598): سمعت أبي وقد سئل عن القراءة بالألحان فقال: "مُحْدَثٌ، إلَّا أن يكون طباعه ذلك"، يعني طبع الرجل كما كان أبو موسى الأشعري.
وفي العلل (2564) قال: سألت أبي عن القراءة بالألحان فكرهها، وقال: "لا إلا أن يكون طبع الرجل مثل قراءة أبي موسى حدرًا".
وَرَوَى الدَّارِمِيُّ (3545) عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: "قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَنَسٍ بِلَحْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْحَانِ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَنَسٌ"
وقال الخلال في "الأمر بالمعروف" (200- 209): "وأخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد اللَّه سئل عن القراءة بالألحان؟ فقال: لا يعجبني، إلّا أن يكون جرمه. [طبعه وعادته]
قيل له: فيقرأ بحزن يتكلف ذلك؟
قال: لا يتعلمه، إلَّا أن يكون جرمه.
وقال: وأخبرني محمد بن الحسن، أن الفضل حدثهم قال: سمعت أبا عبد اللَّه سئل عن الألحان، فكرهه وقال: يحسَّنه بصوته، من غير تكلف
وقال: [وأنبأنا] أبو بكر المروذي، قال: سئل أبو عبد اللَّه عن القراءة بالألحان فقال: بدعة، لا يُسمع ".
وقال (220- 222): " وقال: أخبرنا الحسن بن جحدر قال: حدثنا عبد اللَّه بن يزيد العكبريُّ قال: سمعت رجلًا سأل أحمد بن حنبل فقال: ما تقول في القراءة بالألحان؟
فقال له أبو عبد اللَّه: ما اسمك؟ قال: محمد.
قال: فيسرك أن يقال: يا موحاماد، ممدودًا.
وقال: وأخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبد الرحمن المتطبِّب يقول: قلت لأبي عبد اللَّه في قراءة الألحان؟ فقال: يا أبا الفضل، اتخذوه أغاني، اتخذوه أغاني، لا يٌسمع من هؤلاء".
وقال: "وكنت أرى أبا بكر المروذي إذا جاء من يقرأ القراءة السهلة الحزينة يأمره فيقرأ".
ورُوِيَ عن مالك أنه سُئِلَ عَنِ الألحان في الصلاة فَقَالَ: "لَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ غِنَاءٌ يَتَغَنَّوْنَ بِهِ لِيَأْخُذُوا عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ"
الفريق الثالث: رأوا التفصيل، فإن كانت النغمات منضبطة بضوابط القراءة وأحكام التجويد والأداء ولا تُخرج القرآن عن لفظه فلا حرج، إما التمطيط والترقيص وإتلاف الحروف وتضييع مخارجها فهو مذموم.
قال السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/ 296): "مَسْأَلَةٌ: قُرَّاءٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتٍ حَسَنَةٍ مُحْتَرِزِينَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فِيهِ، عَالِمِينَ بِأَحْكَامِ الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ؟
الْجَوَابُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ وَالْأَصْوَاتِ الْحَسَنَةِ وَالتَّرْجِيعِ إِنْ لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ هَيْئَتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَإِنْ أَخْرَجَتْهُ فَحَرَامٌ فَاحْشٌ".1/ 296)ي الحاوي للفتاوي00- 202 202) في أحد القولين عنه وأحمد.لا يجوزوهذا نص كلامه:ضوابط بين الحِلِّ والحُرمة ولكل فريق أدلته:
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/ 180): "وكلام أحمد محمول على الإفراط في ذلك، بحيث يجعل الحركات حروفا ويمد في غير موضعه".
قلت: أما المد في موضع المد فهو محمود ويزيد القراءة جمالا ويوافق السُّنَّة،
وفي صحيح البخاري 5046: "سُئِلَ أنَسٌ: كيفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فَقالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ يَمُدُّ بـ{بِسْمِ اللَّهِ}، ويَمُدُّ بـ{الرَّحْمَنِ}، ويَمُدُّ بـ{الرَّحِيمِ}"
قال الحليمي في "المنهاج" (2/ 230): "قراءة القرآن لا يدخلها من النغم، وفضول الألحان وترديد الصوت ما يلبس المعنى ويقطع أوصال الكلام، كما قد يدخل ذلك كله الغناء. إنما يليق حسن الصوت والتحزن دون ما عداهما" وفي صحيح الجامع (194) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسنَ الناسِ قراءة الذي إذا قرأ، رأيتَ أنَّه يخشى اللهَ".
وخلاصة القول في المسألة ما قال الماوردي في "الحاوي الكبير" (17/ 196):
"قَالَ الشافعي لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ وَأَحَبُّ مَا يُقْرَأُ إِلَيَّ حدرا وتحزينا . . . فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْأَغَانِي فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا. فَرَخَّصَهَا قَوْمٌ، وَأَبَاحُوهَا لِرِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ "
وَشَدَّدَهَا آخَرُونَ وَحَظَرُوهَا، لِخُرُوجِهَا عَنِ الزَّجْرِ وَالْعِظَةِ إِلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ. وَلِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ عُرْفِ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَحَابَتِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِلَى مَا اسْتُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ".
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذَيْنِ الْإِطْلَاقَيْنِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِاعْتِبَارِ الألحان، فإذا أخرجت لفظ القرآن عن صِيغَتِهِ، بِإِدْخَالِ حَرَكَاتٍ فِيهِ وَإِخْرَاجِ حَرَكَاتٍ مِنْهُ، يُقْصَدُ بِهَا وَزْنُ الْكَلَامِ وَانْتِظَامُ اللَّحْنِ، أَوْ مَدُّ مَقْصُورٍ، أَوْ قَصْرُ مَمْدُودٍ، أَوْ مَطَطٌ حَتَّى خَفِيَ اللَّفْظُ، وَالْتَبَسَ الْمَعْنَى، فَهَذَا مَحْظُورٌ يفسق به القارئ وَيَأْثَمُ بِهِ الْمُسْتَمِعُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ إِلَى اعْوِجَاجِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] .
وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ اللَّحْنُ عَنْ صِيغَةِ لَفْظِهِ وَقِرَاءَتِهِ عَلَى تَرْتِيلِهِ كَانَ مُبَاحًا، لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ بِأَلْحَانِهِ فِي تَحْسِينِهِ وَمِيلِ النَّفْسِ إِلَى سَمَاعِهِ".
فهذا الرأي هو الذي تميل إليه النفس لبعده عن التشدد والتساهل ولأنه أضبط الآراء وأكثرها تماشيا مع الأدلة وأنسبها للجمع بين النصوص ورجحه أغلب العلماء ولا يسعنا إلا ما وسعهم.
تعليقات
إرسال تعليق